Sunday 25 October 2020

الأفضل من الفاشل، فاشل أيضاً.

 لو كان (معمر) شخص عادي ومواطن في حاله لدافعت عنه، لكنه شخصية عامة، وضع نفسه عنوة في منصب القيادة دون الرجوع إلى الناس ودون أي انتخاب أو استفتاء، وأخضع كل إمكانيات الدولة لخدمة مشروعه الشخصي، ولما بدأت أيامه في الحكم تنتهي أحرق كل شيء، أخرج المجرمين من السجون وفتح مخازن السلاح، ورفع عقيرته بالنداءات القبلية والعرقية والتحريض الفج بين الليبيين، ولم يفوت فرصة على مساومة الليبيين وتهديدهم بفكرة (أنا أو الجحيم) إلا واستخدمها.

 النصوص المرافقة للصورة من رواية (خريف البطريرك) لغابرييل غارسيا ماركيز


معمر القذافي ليس مجرد قصة قصيرة عابرة لمواطن مر بهذه الصحراء، من السهل واليسير أن تنسى، معمر تجسد فظيع لكل سلبيات وقسوة المجتمع، صوبة ومحمية أقيمت على مدى 40 سنة لاستنبات شجيرات الجهل والعنصرية والقسوة وكره الآخر والتعنيف والصلف وغيره من أشواك الصحراء.


 علاج المسموم يبدأ بمعرفة نوع السم.


ما تبيش حد يحكي على معمر ومجهز إجابتك (خلاص مات، هي أنتم ديروا حل!) معناها الحل هو أن الليبيين ايديروا حل، الليبيين (خضر وفبراريين وكفار واسلاميين وبرقاويين وطرابلسيين وتبو وأمازيغ وغيرهم) ايديروا حل، وهي عبارة تعني مع بعض الشرح : ايديروا حل للمشاكل اللي غرسهن معمر ونظامه!

والحل ليس أبداً(استعادة النظام) لأن النظام السابق هو المشكلة، ومن المنطقي والبديهي أن يكون حل مضاعفات المشكلة، ليس عبر استعادة سبب المشكلة والحرص على استدامته.


لما تقولي (معمر مات باهي شنو درتو؟) أنت كمن يقف أمام شخص أنهكه العلاج الكيميائي، جسمه ضعيف خسر شعره وشحب لونه ولم يبقى من وزنه السابق سوى النصف، توقف قدامه وتقوله (باهي السرطان انتهى، عليش مصحيتش؟)


(لما تقولي معمر مات معاش تنتقد النظام السابق) معناها نحن متفقين على كارثية النظام السابق على كل مناحي الحياة، ومن غير الأخلاقي أن تستخدم نتائج التخلف الذي زرعه ذاك النظام ورعاه، كي تجنبه الانتقاد وتقول (أشقى بهمك) لأن جزء من معالجة الهم، هو فهم سبب تكونه وكيفية تكونه، ويجب ألا تكون زراعة الهم حصانة لزَارعها ضد الانتقاد، حين نقول للمهموم (أشقى بهمك) كلما فتح فمه.

الانهيار الراهن، الحاصل في الخدمات، لا يعني صوابية ونجاح وتفوق النظام السابق إلا من جهة أنه لا يملك إنجازً حضارياً وإنسانياً كي يقارع به خصومه، إلا انتظار حدوث عجز أو تقصير، والتعقيب عليه بقولة (كنا متريحين).

أفضل من الكارثي، هذا هو التقييم المباشر لمثل هذا السلوك، وبقاء المجتمع لسنوات على حافة (الكارثي) تحت سلطة الحديد والنار، هو ما انزلق به إلى المستوى الكارثي.


أنا لا أعول على الليبيين الذين يتصدرون المشهد في هذه المرحلة، لا أعول عليهم في إنتاج أي استقرار، لكن من الواجب علينا أن نفهم أن الاستقرار هو حصيلة لخطوات ناتجة عن فهم ووعي، وليس أبداً منتجاً سريع التحضير تكونه الأبواق المحرضة من مختلف الاتجاهات.

استعادة النظام السابق لا تعني فقط (الجماهيرية) بل تعني كل التجارب السياسية العالقة في المسافة ما بين الآن وحتى زمن حكم الأسرة القرمانلية، كل تلك الصيغ مأزومة بفكرتها أولاً وشخصياتها ثانياً وغاياتها ثالثاً.

الاستقرار حصيلة وعي بالواجب وفهم للذات والتحديات، وحل التحديات بالواحدة عقدة عقدة.

كل ما سيحصل عليه الحالمون بالعودة إلى الجماهيرية، هو (2010) ولن تسعفهم الفرصة ولا مهاراتهم أو إمكانياتهم لتجنب العبور إلى 2011 مرة أخرى ومقاساة كل التجربة من البداية في عودٍ وتكرار للتاريخ.

الإخوة الخضر والإخوة القبليين والإخوة المليشياويين والإخوة الاسلاميين وغيرهم، لن تطول الفرصة التي لديكم أكثر مما طالت، اعملوا على الاستقرار أفضل من أن تجبروا على لبس ما يفصله آخرون على إثر حدث مفاجئ يقلب العقول في العالم وما كورونا عنكم ببعيد.

المفاجآت السياسية في هذا القرن، ضربت مرتين في بدايات كل عقد، وأنتم على مشارف العقد الثالث فاعقلوا وتعقلوا وتخلصوا من ثقة القذافي وزين العابدين ومبارك.



No comments:

Post a Comment